• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

البحث اللغوي والثقافي والتحليل القرائي الحركي والنصي في نص "نصائح أب" للسادس الابتدائي

فريد البيدق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/10/2016 ميلادي - 14/1/1438 هجري

الزيارات: 6326

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

البحث اللغوي والثقافي والتحليل القرائي الحركي والنصي

في نص "نصائح أب" للسادس الابتدائي


(1)

أتَتِ الوحدة الأولى من مقرر السادس الابتدائي الفصل الدراسي الأول هذا العام الدراسي 2016/2017م معنونة بـ: "حياتك بين يديك"- محتوية دروسًا ثلاثة بعد حذف موضوع "الماضي والحاضر والمستقبل": واحدًا نثريًّا هو"مفتاح النجاح"، ونصًّا قرآنيًّا عُنوِن بـ: "نصائح أب"، ونصًّا شعريًّا عُنوِن بـ: "كن قويًّا".

 

ولقد وُفِّق مؤلِّفا الكتاب أيما توفيق في هذه الوحدة، التي أسميها "وحدة القوة": قوة العلم والمعرفة في "حياتك بين يديك"، وقوة العقيدة والدين في "نصائح أب"، وقوة الوطنية وقوة إدارة الحياة في "كن قويًّا".

ووُفِّق المؤلِّفان مرة أخرى في اختيار النص القرآني بدءًا ومنتهًى.

 

كيف؟

النص يحكي قصة الطوفان الذي حدث للأرض زمن سيدنا نوح عليه السلام في سورة هود.

يقول تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 41 - 44].

 

اقتصَر المؤلفان على أربع الآيات هذه، وهي قصة قصيرة جدًّا، تحكي قصة الطوفان، طوفان سيدنا نوح عليه السلام، وسياق تمام القصة يبدأ من الآية السادسة والثلاثين (36) كما يأتي: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ * حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 36 - 40].

 

ويستمر حتى الآية السابعة والأربعين: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 45 - 47].

 

هذا هو السياق كاملًا، لكن المؤلِّفَينِ اقتصرا على الآي الأربع، وقد دلت "الواو" سابقة فعل الأمر "اركبوا" على هذا؛ فأنارت الذهن ودلَّتْه إلى أن هناك كلامًا سابقًا؛ فعلى مَن يتشوَّفُ إليه أن يرجع إلى السورة ليعرفه.

 

وعلى الرغم مِن توفيقهما المتكرر المشار إليه آنفًا، فإنهما لم يُوفَّقَا في اختيار العنوان.

لمَ؟

لأن هذا العنوان يوضح أن الأمر أمرُ أبوة إنسانية فقط، وما هذا بالأمر الصحيح.

فماذا إذًا؟

إنه أمرُ الإيمان والكفر، وعاقبة كل منهما، وما كان سيدنا نوح في دعوته ابنَه بأكثر حرصًا منه في دعوته أي شخص آخر غيره؛ فهو رسول، والرسول مهمَّته الدعوة إلى الله تعالى، ويكون حرصُه على إيمان المدعوِّ من دون اهتمامٍ بصلته النسَبية به، وقد دلَّتِ الآيات التالية على تأكيد ذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ* قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 45 - 47].

 

(2)

يقول السعدي في تفسيره: [﴿ وَقَالَ ﴾ نوح لمَن أمره الله أن يحملهم: ﴿ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾؛ أي: تجري على اسم الله، وترسو على اسم الله، وتجري بتسخيره وأمره].

 

﴿ ارْكَبُوا فِيهَا ﴾ جملة إنشائية لفظًا ومعنى، و﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ جملة خبرية لفظًا ومعنى، وبينهما كمال انقطاع؛ لذا فصل بينهما ولم يوصل بالواو؛ للدلالة على أن سيدنا نوحًا أمرهم، ثم تابع مقررًا أن ذلك مِن مظاهر قدرة الله تعالى، سواءٌ في سَير السفينة بهم، وابتعادها عن موطنهم الذي لن يصير لهم وطنًا، أم في وقوفها بعد ذلك في المكان الذي سيختاره لهم.

 

وهذا الاختلاف بين الإنشائي والخبري وما ينتجه يردنا إلى ما قلته في مقالي: (علم النص وما تولد منه من نحو النص يلتقيان وما تريده إستراتيجيات القرائية ومسائلها من التماسك الموضوعي) بشأن الحذف الذي هو أحد وسائل تحقيق نصية النص الذي سألني أحد الأحبة عقب قراءته نموذجًا تطبيقيًّا عنه، فحاولت في هذا المقال تحقيق ذلك أو بعضه.

ماذا قلت؟

قلت: (ثم ذكر الوسيلة السادسة التي هي الحذف؛ حيث تكون الجُمَل المحذوفة أو الكلمات المحذوفة أساسًا للربط بين أجزاء النص من خلال المحتوى الدلالي،وهذه هي إستراتيجية "التوقع من خلال النص أو الموضوع"، و"المراقبة الذاتية" التي يَقيس فيها القارئ فهمه بإيجاد روابط بين الدلالات بتقدير أسئلةٍ ومعلومات مِن فهمه).

 

فهنا تبرز لنا صلة ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ بما قبلها بتقدير قول محذوف من سيدنا نوح أو من المؤمنين، تقديره: قائلًا، أو قائلين.

 

وأيضًا في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا... ﴾ نجد هنا الإحالة - التي هي من وسائل التماسك النصي - إلى غير مذكور في الكلام، فيضطر مريدُ المعرفة إلى الرجوع إلى الآيات السابقة ليجد المرجع محددًا، ألا وهي السفينة التي سبقت في الآيات (37 - 40).

 

ثم تبرُزُ لنا إستراتيجيات الأسئلة التي هي "التساؤل؛ أي: طرح الأسئلة، وجدول الأسئلة، والأسئلة المباشرة وغير المباشرة" في بيان علاقة ذيل الآية بصدرها، فما علاقة: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ بما قبلها؟ وإن التأمُّل يُفضي إلى إبراز التعليل علاقةً لجزئي الكلام.

 

كيف؟

إن وجودَ السفينة وسيرها ورسوَّها من مقتضيات غفران الله تعالى ورحمته؛ فهي أداة النجاة والرحمة للمؤمنين، ومن دونها الإهلاك والعقاب.

وتنفيذًا لِما ورد في مقالي: "القرائية حركة دائبة في فضاء النص والمفردات والفضاء خارجهما في الذهن وغيره لإنتاج التعلم النشط" - نجد الحركة إلى الأمام وإلى الخلف أنتجب تماسكًا وتعلُّمًا نشطًا،ومن مظاهر ذلك أيضًا ما أسميه "الاتحاد الدلالي" النابع من اتحاد الباب الصرفي على غرار الاتحاد في الوزن النابع من الميزان الصرفي، وأقترح ضمه إلى القرائية في "إستراتيجيات المفردات".

كيف؟

إن كلًّا من "غفور، ورحيم" صيغتا مبالغة، تفيدان كثرة المغفرة والرحمة؛ لكثرة المغفور لهم، وكثرة المرحومين، ولتكرار الرحمة والمغفرة.

 

(3)

﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي ... ﴾ كلام جديد في موقف جديد؛ فقد انطلقت السفينة بعد الركوب واستحضار عظمة الله تعالى وقدرته على السير والوقوف،وتظهر المراقبة الذاتية للفهم، وتظهر الأسئلة غير المباشرة التي تحتاج إلى التأمُّل والتحليل، وتحتاج إلى "تصنيف المفردات".

 

كيف؟

يُطلَب مِن التلميذ بيان كلمة الطوفان من حيث الإفراد والجمع، فإن بحث فسيجد الآتي، كما نشرتُ في المنتديات اللغوية الإلكترونية منذ سنوات تحت عنوان: (كلمة "طوفان"..بين البصريين والكوفيين من "المصباح المنير" للفيومي)،ماذا قال الفيومي: قال: (...و"طُوفَانُ" الماء: ما يغشى كل شيء، قال البصريون: هو جمع، واحده "طُوفَانَةٌ"،وقال الكوفيون: هو مصدر كالرُّجحان والنقصان، ولا يجمع،وهو من "طَافَ" "يَطُوفُ")،فيسجل التلميذ ما وجده مبينًا أين وجده، ويدخله في جملة توظفه سياقيًّا.

ثم نعقِد موازنة بين الفعل الأول {قال} وبين هذا الفعل {نادى}؛ لنعلَمَ أن القول يدلُّ على انخفاض الصوت؛ لقربِ المَقُول لهم، وأن النداءَ يدلُّ على ارتفاع الصوت؛ لبُعْدِ المنادى عليه.

 

وماذا نستنتج من ذلك؟

نستنتج أن الصلة القريبة هي صلة الإيمان، لا صلة النسب؛ فقد قال نوح عليه السلام للمؤمنين، ونادى ابنه البعيد.

ثم نجد الحذف الذي هو وسيلة تماسُكِ النص بمراقبة الفهم.

 

أين؟

في قوله تعالى: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾، فتقدير الكلام: ونادى نوح ابنه قائلًا.

ثم نعقِد موازنة بين جملة: ﴿ ارْكَبْ مَعَنَا ﴾، وجملة: ﴿ وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ - تتطلَّب حركة أمامية وخلفية، فنجد بينهما شبهَ ترادف؛ فلو كان معهم فلن يكون مع الكافرين، ولو بقيَ مع الكافرين فلن يكونَ معهم،ونلمِس مِن شبه الترادف هذا حِرصَ سيدنا نوح على إنجاء ولده مِن النارِ مصيرِ كل كافر.

 

ونلحَظ هنا الاتفاق الدلالي الجمعي بين ﴿ معنا ﴾ و﴿ الكافرين ﴾؛ فهما جماعتانِ متناظرتان متمايزتان: جماعة الإيمان والطاعة، وجماعة الكفر والمعصية،وعلى الرغم مِن أن الكفاءة العددية بين الجماعتين ليست متفقة، فالكفار كثرةٌ كاثرة، والمؤمنون قلة قليلة - فإن الإيمانَ يكثِّرُ جماعته بحيث تناظر جماعة الكفر، بل تزيد؛قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 65، 66].

 

لِمَ عبَّر سيدنا نوح بالجمعية "معنا"، ولم يقل: "معي" - وهو صاحبُ الرسالة؟

 

لأن المؤمنين قد صاروا شركاءَه في الدِّين؛ فلم يعُدْ وحيدًا، بل صاروا جماعة، وإن قل عددُها، ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾.

 

ثم نقف مع جملة: ﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾؛ لنلمِس شبه التعليل للنداء؛ فقد كان الابن بعيدًا منعزلًا؛ مكانًا وفكرًا ودِينًا، والانعزال الفكري والديني يجعل المكان بعيدًا حتى ولو كان الكتفُ في الكتف، فما بالنا والمكان أيضًا بعيد؟

 

إن هذا طبقاتٌ مِن البُعد تتراكم وتتراكب بعضها فوق بعض.

 

ثم نجد جوابَ هذا النداء الحارِّ قولَ الابن السَّمِج: ﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾، وكأنه لا يهمُّه إبلاغ أبيه بقدر ما يهمُّه إعلانُه الرفضَ.

 

ونسأل هنا سؤالًا غيرَ مباشر: ماذا يحمِل هذا الكلامُ مِن خصائص هذا الابن؟ إنه يحمل خصائصَ غفلة الكافر وغبائه.

 

كيف؟

إنه لا يرى في الأمور إلا ظاهرها، فيتوهَّم أنه سيتغلب عليها، لكنه لا يجري بباله ربُّ هذه الأمورِ الذي يعطل سببيةَ الأسباب، فما بالُك بما وراءها؟

لقد توهَّم أنه ماءٌ يمكن أن ينجيه منه جبلٌ ما، وبلغ مِن غفلته أنه لم يبادر إلى الجبل، بل قرَّر أنه سيفعل ذلك قريبًا: {سآوِي}، وهذه ثقة الساذج الخاسر، الذي سَرعان ما تنكشف له سذاجته عن هوَّة سحيقة يهوِي إلى قرارها غيرَ مصدِّق ما يرى في سقوطه؛ فقد توهم أن الأمر أمرُ ماءٍ يحميه منه الجبل، ولم يعلم أن الأمر أمرُ ربِّ الماء الذي لا يحول دون مراده شيء من خَلْق؛ جمادًا، أو إنسانًا، أو حيوانًا.

 

وسَرْعان ما أتاه جواب أبيه، وجواب ربِّ أبيه؛ قال أبوه: ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾، وكان قدَر ربِّ أبيه: ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾.

 

بدأ الأبُ المناقشة وختمها، أما الابن فلم يقل إلا قولًا واحدًا تلاه الغرق والهلاك؛ نتيجة لارتفاع الموج ارتفاعًا سريعًا، دلت عليه "الفاء" في ﴿ فَكَانَ ﴾.

ونلحظ في قوله تعالى: ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾- أنه لا تميُّز له؛ لأنه ابن سيدنا نوح، بل هو من ألفاف الكافرين؛ لذا فهو واحد منهم، غيرُ متميز عنهم، بل هو ﴿ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾.

 

هل كان وحده مِن آل سيدنا نوح الذي غرق؟

لا.

كانت زوج سيدنا نوح مع الغارقين أيضًا؛ قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، ويقول تعالى: ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾- فلِمَ خصَّ سيدنا نوحٌ ابنَه ولم يكلِّمْ زوجه؟

قد يكون لأن ابنَه في مقتبل العمر، وقد يكون شبابُه أوهمه، ويرجو له مستقبَلًا نافعًا، أما زوجُه فهي ناضجة كبيرة،وقد يكون لغلبة الأبوَّة على الزوجية، وقد يكون لأشياءَ أخرى.

 

(4)

ثم انتهى الطوفانُ الذي هو أمر الله تعالى، وعادت الحياةُ إلى طبيعتها، لكن في مكان جديد غير المكان الأول، وبأناسٍ جُدُد، هم المؤمنون بعد هلاك الكافرين.

كيف انتهى؟

قال تعالى: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44].

 

كيف بدَأ؟

حكى اللهُ تعالى ذلك في سورة القمر، فقال: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 9 - 16].

 

إذًا، انتهى الطوفان، وانقضت الفترةُ الاستثنائية في عمر المؤمنين، وآن لهم أن يعمُرُوا الأرض من جديد.

﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ﴾، مَن القائل؟

الله تعالى، أو مَن أمَره اللهُ تعالى بالقول،ولماذا ظهر القول هنا ولم يظهر في الإغراق؟ لأنها بداية جديدة للحياة، واستئنافٌ لها.

 

جاء الأمرُ للأرض وللسماء بما يلائم كلًّا منهما؛ فالأرض تبلع داخلها، والسماء تمنع الإرسال، فماذا كانت النتيجة؟

﴿ وَغِيضَ الْمَاءُ ﴾، وبنقصانه تكون مهمة الطوفان قد انتهت، ﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾، ويظهر الكلام على السفينة من جديد، ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ رسَتْ بمَن فيها على الجوديِّ، الذي هو جبل بالعراق أو الشام، ونزل المؤمنون، وبدأت الحياة بعد هلاك الكافرين ﴿ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرائية حركة دائبة في فضاء النص والمفردات والفضاء خارجهما في الذهن وغيره لإنتاج التعلم النشط
  • علم النص وما تولد منه من نحو النص يلتقيان وما تريده إستراتيجيات القرائية ومسائلها من التماسك الموضوعي
  • فائض القول يفسد البناء الفني لقصة المنصور والطيور

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة مجموع فيه كتابان: شرح آداب البحث للسمرقندي وحاشية على شرح آداب البحث للسمرقندي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الجديد في عرض الباحثين لمشكلة البحث(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • الفارق بين نوع البحث ومنهج البحث في العلوم الاجتماعية(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • مصطلحات منهجية في كتابة البحوث والرسائل الأكاديمية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مراحل البحث العلمي في ميدان الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تحديات البحث التربوي العربي: أبحاث التعليم المختلط نموذجا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ابدأ بالبحث عن نفسك قبل البحث عن وظيفتك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص البحث: الإسلام والقيم الحضارية المعاصرة الديمقراطية نموذجا ( بحث تاسع عشر )(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ملخص البحث: تعامل الأسرة مع مدمن المخدرات (بحث ثالث)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • خطة البحث : تعريفها، أهدافها، عناصرها، شكلها، أدلة جودتها(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب